مدينة الجديدة، تلك الحاضرة الأطلسية ذات التاريخ العريق، عانت لسنوات من نوع من التهميش الرمادي، فلا هو إقصاء كامل، ولا هو اهتمام فعلي، مشاريع متعثرة، أوراش لم تكتمل، وبنيات تحتية تتآكل على مرأى من الجميع، بل أكثر من ذلك، اعتاد المواطن الجديدي على نمط من التسيير العمومي أقرب إلى التدبير اليومي منه إلى التخطيط الاستراتيجي.

اليوم، مع قدوم العامل الجديد السيد امحمد العطفاوي، يبدو أن رياح التغيير بدأت تهب فعلا.
فالرجل، القادم من مسار إداري وتجربة ميدانية معتبرة، اختار منذ اللحظة الأولى لغة الفعل لا الخطابة، نزل إلى الميدان، وقف على الاختلالات، فتح ملفات كانت محرمة أو مؤجلة، وبدأ في بعث دينامية حقيقية في دواليب الإدارة الترابية.

ما يلفت الانتباه في هذه المرحلة، ليس فقط التحرك العملي، بل ما يمكن تسميته بـ”إعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجال”، إذ يحرص السيد العامل على تجاوز الأسلوب الكلاسيكي في التعامل مع مشاكل الإقليم، نحو منطق الحكامة التشاركية، من خلال إشراك الفاعلين المحليين، وربما دفعهم لتحمل مسؤولياتهم بعد سنوات من التقاعس أو التواطؤ مع واقع الركود.

غير أن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو: هل يكفي العامل وحده؟

لا يمكن لعامل إقليم، مهما بلغ من الكفاءة والطموح، أن يحمل مدينة بأكملها على كتفيه، ما نراه اليوم من إشارات إيجابية يجب أن يُقابل بتحول في وعي المواطن والسياسي المحلي، فلا تنمية بدون انخراط الجماعات الترابية، ولا مشاريع تنجح في بيئة تتآكلها ثقافة “المعارضة من أجل المعارضة”، أو “الانتظارية المزمنة”.
نحن اليوم أمام لحظة مفصلية:
إما أن نلتقط هذه الفرصة، ونواكب هذا النفس الجديد، وإما أن نعيد إنتاج العبث، ونبقى نراوح مكاننا في دوامة الشكاوى والتنصل من المسؤولية.

مدينة الجديدة اليوم لا تحتاج فقط إلى طرق معبدة أو ساحات مجددة، بل إلى تغيير عميق في السلوك السياسي والاجتماعي، إلى ثورة ناعمة في الذهنيات قبل البنيات.

السيد امحمد العطفاوي أطلق الشرارة، والمسؤولية الآن على الجميع، على المجتمع المدني أن ينتقل من الاحتجاج إلى الاقتراح، وعلى المنتخب أن يغادر منطق الولاء نحو منطق المصلحة العامة، وعلى المواطن أن يفهم أن التنمية ليست “مِنّة من السلطة”، بل حق لا يُنال إلا بواجب المشاركة.

إذا استمرت هذه الدينامية بنفس النفس والإيقاع، وإذا وجدت تجاوبا شعبيا ومؤسساتيا حقيقيا، فإن مدينة الجديدة قد تدخل فعلا زمنها الجديد، وتلحق بركب المدن التي اختارت المستقبل بدل اجترار الماضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!