رغم القوانين التي تم سنها في السنوات الأخيرة، والتي تمنح خادمات المنازل حقوقهن وواجباتهن، إلا أنهن لازلن يتتطلعن إلى العمل في ظروف أفضل مما هو الوضع عليه، من خلال الاستفادة من حقوق تمنح لهن للمرة الأولى مع بدء تنفيذ قانون ينظم العمل المنزلي شرع في تطبيقه بهدف حماية عاملات المنازل من الاستغلال وسوء المعاملة.
ومعلون أن مجلس النواب كان في أواخر أواخر يوليوز 2016 قد اعتمد قانوناً جديداً ينظم عمل خادمات البيوت في محاولة لتوفير مقدار من الحماية القانونية لآلاف النساء والفتيات من الاستغلال والانتهاكات.
ويفرض هذا القانون توفير عقود مكتوبة، كما يحدد السن الأدنى لعاملات المنازل في 18 عاماً، مع فترة تمهيدية تدوم 5 سنوات يسمح خلالها للفتيات بين 16 و18 عاما بالعمل.
لكن واقع الحال، لا يحكي نفس الكلام، إذ يكفي المرء جولة واحدة في أرجاء كل مدينة حيث تتقاطر هذه الخادمات بحثا عن عمل لكسب قوت يوم ليس إلا، فمثلا أمي فاطمة في العقد السادس من عمرها وهي خادمة بيوت، تحاذبت معها أطراف الحديث فسألتها عن سبب اختيارها لهذه المهنة، فأجابتني بأن زوجها طريح الفراش، ولا أبناء لهما، كما أن شقيقه استولى على أرضه مستغلا ضعفه، وبالتالي كان لابد أن تبحث عن مصدر دخل يعيلها وزوجها، تبسمت فاطمة في وجهي وقالت لي بعدما سألتها عن عقد العمل حيث بدت كمن أصيب بهيستيريا الضحك، “عقد العمل، ها العار يعطيك غير رزقك ديال خدمة نهارك، بقى غير عقد العمل”؟!
ومعلوم أن القانون المغربي سن مجموعة من الحقوق لخادمات المنازل، إذ من شروط إبرام عقد الشغل أو الحقوق والالتزامات المتبادلة بين الطرفين أو تحديد زمن تنفيذ بنود العقد ونطاق هذا التنفيذ من حيث طبيعة الأعمال المسموح بها أو تلك المحظور القيام بها، إضافة إلى كل ما يتعلق بإيجاد آليات لحماية العاملات والعمال المنزليين وتمتيعهم بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية بمنأى عن أي استغلال، فإن هذا القانون يضمن العديد من الأحكام التي يجب مراعاتها والتي تضمن الحماية القانونية اللازمة لهذه الفئة، حيث دخل هذا القانون الذي تُشكل النساء والفتيات النسبة الأكبر منهم حيز التنفيذ، ونص على أن الحدّ الأدنى لسن تشغيل الأشخاص بصفتهم عاملات أو عمالاً منزليين في 18 سنة، غير أنّه يمكن، في فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تبتدئ من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، تشغيل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و18 سنة، بصفتهم عاملات أو عمالا منزليين، شريطة أن يكونوا حاصلين من أولياء أمورهم على إذن مكتوب مصادق على صحة إمضائه، قصد توقيع عقد الشغل المتعلق بهم.
ونص القانون أيضا على أنه يمنع تسخير العاملة أو العامل المنزلي لأداء الشغل قهراً أو جبراً، كما أنّ العاملة أو العامل المنزلي يستفيد من راحة أسبوعية لا تقل عن 24 ساعة متصلة، ومن عطلة سنوية مدفوعة الأجر إذا قضى ستة أشهر متصلة في خدمة المشغل، على ألا تقل مدتها عن يوم ونصف يوم عمل عن كل شهر، غير أنه بالنسبة للعاملات أو العمال المنزليين المتراوحة أعمارهم ما بين 16 و18 سنة، فتحدّد مدة عملهم في 40 ساعة في الأسبوع.
يذكر أن آخر الإحصائيات أظهرت بأن 18.1 في المائة من الأسر المغربية تعيلها نساء، كما أكدت إحدى الدراسات الميدانية أن خادمات البيوت في المغرب يعشن ظروفا صعبة نظرا للأجور المنخفضة وأوضاع العمل التي لا تحترم المعايير المعتمدة، إلى جانب حماية اجتماعية جد محدودة، إن لم نقل منعدمة.
وأكدت إحدى الدراسات التي أجريت في هذا الصدد، أن المغرب لا يتوفر على معطيات رسمية دقيقة حول العمالة المنزلية، لكن بعض التقديرات الرسمية تشير إلى أن 200 ألف عامل وعاملة منزلية، بينما تقدر مؤسسات نقابية ومدنية العدد بمليون شخص.
تجدر الإشارة إلى أن وجود عاملة البيت بالنسبة للكثير من الأسر المغربية في السنوات الأخيرة أصبح أمرا ضروريا، وذلك لمساعدة ربات البيوت على التخفيف من أعباء المنزل، ومساعدتهن في تربية الأطفال، فنجد من يلجأ إلى عاملات مغربيات، فيما أصبح البعض الآخر يلجأ إلى عاملات أسيويات يتم استقدامهن لهذه الغاية للعمل بالمغرب، إما من أجل التباهي، أو من أجل مساعدة أبنائهم في تعلم اللغة الإنجليزية التي تتحدثها العاملات الأسيويات بطلاقة.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه وبقوة، في ظل اللامبالاة بقانون عاملات المنازل، كيف يمكن حمايتهن من استغلال السماسرة، وعدم تبخيس عملهن، وضمان أجرتهن؟