يبدو أن الواقع السياسي في المنطقة المغاربية لم يعد يدهشنا بقدر ما يثير فينا ضحكا هيستيريا، وآخر فصول هذا العبث ما نُشر عن انتهاء مهام “سفير الانفصاليين” لدى الجارة الشرقية، وتوديعه لنظيره الجزائري قبل أن “يعود إلى وطنه”… في تندوف، داخل التراب الجزائري!
منطق غريب يفرض نفسه بقوة على المشهد، حيث أن سفيرا لكيان غير معترف به من قبل الأمم المتحدة، لدى دولة تستضيف هذا الكيان على أرضها، ثم يودع كسفراء الدول المعترف بها، ويغادر إلى منطقة تقع جغرافيا داخل نفس الدولة التي كان يمثل فيها “بلده”! أليس في ذلك عبث دبلوماسي لا تخطئه العين، وسريالية سياسية لا نجد لها نظيرا إلا في مسرحيات القرون الوسطى؟
إن القصة لا تكشف فقط عن هشاشة المشروع الانفصالي الذي يراد له أن يتنفس أنفاس الدولة وهو مقيم في خيمة بتراب الجزائر، بل تفضح أيضا حجم التورط الرسمي الجزائري في تبني كيان وهمي ومنحه صفة لا يملكها، خدمة لأجندة إقليمية لم تعد تخفى على أحد.
في عرف الدبلوماسية، لا تعود البعثات إلى مخيمات، ولا يوجد “وطن” يعجز عن احتضان سفارته إلا إن كان وطنًا من ورق، تعترف به أيديولوجيات الماضي وتجهله جغرافيا الواقع، فكيف يستقيم أن يكون مقر إقامة “السفير” هو نفس الأرض التي يمثل بلاده فيها؟ وهل رأينا يوما سفيرا يمثل دولة داخل دولة، ثم يعود إلى “وطنه” دون أن يغير موقعه الجغرافي؟
المفارقة تكشف عن عمق المأزق الذي يعيشه المشروع الانفصالي، بل وتفضح مدى هشاشته أمام تطورات الواقع الدولي المتسارع، خاصة مع تزايد الاعترافات بمغربية الصحراء وارتفاع منسوب الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي.
إن الدبلوماسية لا تبنى على الوهم، ولا يمكن لراية لا ترفرف في المحافل أن تجد لها وزنا في توازنات القوى، والعودة إلى “الوطن” داخل نفس البلد الذي استضيف فيه “السفير” ليس إلا دليلا على أن هذا الكيان ليس سوى امتداد سياسي لسياسة الجار المتناقض.
باختصار، من يودع سفيرا ثم يستقبله في ذات التراب، لا يمارس السياسة، بل يكرر فصلا مملا من مسرحية بلا جمهور.