حديقة محمد الخامس، واحدة من أبرز المعالم الطبيعية في مدينة الجديدة، كانت في يوم من الأيام شاهداً على الجمال والاهتمام بالمساحات الخضراء. لكن اليوم، أصبحت الحديقة التي كانت في الماضي ملاذاً للراحة والاستجمام، شاهداً على الإهمال والتدهور. هذا التراجع يؤشر على غياب الاهتمام بالمجالات الخضراء في المدينة، رغم أهميتها البيئية والجمالية.

منصة لذكريات الزمن الجميل

كان الدخول إلى حديقة محمد الخامس في الماضي تجربة لا تُنسى. كانت هذه الحديقة العريقة تحتفظ بنباتاتها الخضراء الجميلة وأشجارها النادرة التي جلبها المارشال ليوطي من اليمن، وتزخر بأنواع مختلفة من الأزهار والأشجار التي كانت تُعنى بها العناية المستمرة من طرف الحارس الأمين المرحوم اللبار. كانت الحديقة تُعتبر ملاذاً للتنزه والراحة بالنسبة للسكان والزوار على حد سواء، خاصة في ظل حراسة وصيانة مستمرة من المجلس البلدي الذي خصص لها موارد للحفاظ على جمالها.

لكن اليوم، تحولت حديقة محمد الخامس إلى مجرد ذكرى للماضي الجميل. فالعشب الذي كان يغطي أرضها قد اختفى، وأشجارها التي كانت رمزاً للمدينة أصبحت هزيلة أو ميتة. النصب التذكاري للملك محمد الخامس الذي كان يحتل مكاناً مهماً في الحديقة، ضاع بين أكوام الإهمال والظلام. بل إن الصهريجين اللذين كانا يشكلان جزءاً من معالم الحديقة تمت تسويتهما مع الأرض، وأصبحا جزءاً من الذكريات فقط.

إهمال وتدهور مستمر

إن تدهور حالة الحديقة لا يمثل فشل إدارة واحدة فقط، بل هو نتيجة لتراكم سنوات من الإهمال والتقصير في العناية بالمجالات الخضراء التي كانت في وقت من الأوقات تُعتبر من أولويات المجلس البلدي، “كيف لنا أن نعيش في مدينة تحظى بموقع استراتيجي قرب البحر، وتغيب عنها الحدائق الجميلة التي تُحسن من البيئة والمزاج العام للمواطنين؟”، يقول (محمد. ب) أحد السكان المحليين بحزن.

وعلى الرغم من أن حديقة محمد الخامس تقع في موقع مميز جداً، قرب البحر وأهم شوارع المدينة، إلا أن هذا الموقع الاستراتيجي لم يكن كافيا لحمايتها من الإهمال، فالحديقة، التي كانت تعد من أجمل وأهم فضاءات المدينة، لم تعد تجذب الزوار كما كانت في السابق. اليوم، وبالنظر إلى حالتها المزرية، لا يجرؤ الكثيرون على الدخول إليها، ويكتفون بالمرور بجانبها، متأسفين على ما آلت إليه.

غض الطرف عن الأولويات

ما يثير القلق أكثر هو أن هذه الحديقة لا تبعد سوى أمتار قليلة عن مقر البلدية، حيث يُفترض أن يكون المسؤولون على دراية تامة بحالة المساحات الخضراء في المدينة، لكن يبدو أن القائمين على الشأن المحلي لم يولوا الاهتمام الكافي لحماية هذه الفضاءات التي تشكل جزءاً مهماً من هوية المدينة وجمالها. هذا الإهمال يعكس، للأسف، عدم وعي البعض بالدور الهام الذي تلعبه هذه المساحات في تحسين نوعية الحياة في المدينة.

فحدائق المدينة، ومنها حديقة محمد الخامس، هي ليست مجرد مساحات للزينة، بل هي أماكن تُساهم في تحسين البيئة وجودة الهواء، وتُعتبر متنفسا للسكّان، وعليه، فإن الإهمال الذي يعاني منه هذا الفضاء يكشف عن التراجع الذي طال العديد من مجالات الحياة في المدينة، من بنية تحتية إلى مساحات خضراء، وهو ما يثير قلق المواطنين الذين يعبرون يومياً عن أسفهم لما آل إليه الوضع.

ضرورة إعادة الاعتبار للحدائق

لا شك أن الوقت قد حان للاستثمار في صيانة الحديقة وتحسين بنيتها التحتية الخضراء. هذا يتطلب توفير موارد مالية كافية، وتعاون بين مختلف الجهات المعنية، سواء البلدية أو المجتمع المدني، ومن الضروري أن يتم تخصيص ميزانية لصيانة الحدائق والاعتناء بالنباتات والأشجار، بالإضافة إلى توفير دوريات لحراستها والحفاظ على نظافتها.

وفي الختام، يجب أن تتحرك السلطات المحلية بجدية لرد الاعتبار لحديقة محمد الخامس وغيرها من المساحات الخضراء في المدينة، لأنها ليست فقط أماكن للتنزه، بل هي جزء من هوية المدينة ومرآة تعكس احترام المجتمع للبيئة وللمواطنين، وإذا استمر هذا التدهور، فإن المدينة ستخسر واحدة من أهم معالمها الطبيعية، وستظل الأجيال القادمة تندب حظها في غياب “الزمن الجميل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!