تباشير الصيف المناخية بدأت تلامس الأجسام، إيذانا بقرب الموعد، أيام معدودة على رؤوس الأصابع، وتبدأ قوافل الهاربين من حر الداخل تتوالى اتباعا نحو مدينة الجديدة، بحثا عن الاستجمام والراحة من عناء سنة عمل مضنية.

أيام قليلة وتشهر المدينة لافتات الترحيب بشعارات توحي أنها أجمل مكان في المغرب، وأروع مصطاف على ساحل المحيط الأطلسي، وأنها رقم صعب في معادلة السياحة الوطنية.

لكن الواقع مختلف تماما، بل يمكن القول إن الجديدة تواصل الغياب عن موعدها السنوي، كما لو أن الصيف لا يعني شيئا سوى ارتفاع الحرارة وامتلاء الشواطئ، فلا أثر لأي برنامج صيفي متكامل، ولا مؤشرات على استعداد جدي لاستقبال موسم يعد ركيزة اقتصادية وثقافية للمدينة وسكانها. السياحة اليوم لم تعد تقتصر على البحر والرمال، بل تقوم على منظومة متكاملة: تنشيط فني، أمسيات ثقافية، عروض للأطفال، معارض محلية، فنون الشارع، تراث وتقاليد… تجربة شاملة يعيشها الزائر ويعود بها إلى بيته محمّلا بالذكريات والانطباعات.

ولأن الجديدة تصنف ضمن المدن الساحلية ذات الجاذبية الصيفية، فإن الأمر يقتضي تحضيرات استباقية حقيقية: من تهيئة الشواطئ وتنظيم الفضاءات العمومية، إلى تأطير الباعة الجائلين، وتوفير الأمن والنظافة، وخصوصا إعداد برنامج ثقافي وفني صيفي يعكس هوية المدينة وروحها. وهذا لا يمكن أن يتم بدون تعبئة كل الفاعلين، وعلى رأسهم لجنة الثقافة بالجماعة الحضرية لمدينة الجديدة، التي يفترض أن تكون في قلب التخطيط، والمبادرة، والتنسيق مع باقي المتدخلين.

لكن للأسف، تمر الأسابيع وتقرع الأجراس، دون أن يظهر أي أثر لهذه اللجنة أو لبرنامجها المفترض، لا دعوة لجمعيات، لا إعلان عن مسابقات أو تظاهرات، لا إشراك للكفاءات المحلية في بناء صيف مختلف، وكأن المدينة تسير بوحي العادة، في انتظار رحيل الصيف كما جاء، صامتا ومتوترا ومليئا بالفرص الضائعة.

المثير للسخرية أن الجديدة تملك كل المقومات لتكون في مقدمة المدن المصطافة: موقع ساحلي، تراث غني، فنون شعبية، طاقات شابة، مجتمع مدني حي، لكن ما ينقصها حقا هو الإرادة، والتفكير الاستراتيجي، وتحرير القرار الثقافي من النمطية والبيروقراطية.

صيف الجديدة لا يجب أن يبقى مناسبة موسمية للركود والتذمر، بل يجب أن يتحول إلى محطة للإبداع والتفاعل والبهجة، فمتى ستفهم الجماعة أن الثقافة هي رهان تنموي حقيقي، وأن إعداد الصيف لا يقتصر على نظافة الشاطئ، بل يشمل إعداد الروح؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!