من جديد، يخرج الناخب الوطني وليد الركراكي عن صمته الإعلامي، ولكن هذه المرة بصوت عال ونبرة واضحة، منتقدا جزءا من الصحافة المغربية التي، بحسب قوله، لم تنصفه ولم تُقدّر ما حققه رفقة المنتخب الوطني منذ توليه المهمة. تصريحاته الأولى التي تضمنت عبارات من قبيل “غياب العدالة” و”عدم التقدير”، فتحت الباب واسعا لنقاش ضروري حول العلاقة بين الإعلام والمدرب: هل تمارس الصحافة الرياضية في بلادنا نقدا مهنيا بنّاء، أم تسقط أحيانا في مطب الشخصنة والعدمية؟
في لقاء تواصلي حديث مع الصحافة، بدا أن الركراكي يراجع مواقفه بتواضع نادر في المشهد الرياضي، قائلا:
“ما كاين حتى شي سوء تفاهم بيني وبين الصحافة، بالعكس، أنتم شركاء فهاد المسار.”
هي إشارة ناضجة إلى أن الرجل لا يرى في النقد عدوا، بل يعتبره جزءا من اللعبة الديمقراطية التي تحيط بكرة القدم. وأكثر من ذلك، فقد أقر بخطئه حين وعد المغاربة بكأس إفريقيا في الكوت ديفوار، قائلا:
“كنت متحمس بزاف، ولكن تعلمت.”
صحيح أن الإعلام شريك لا غنى عنه، لكن من حق أي مدرب – خصوصا إنجازاته ناطقة كما هو حال الركراكي – أن يطالب بالإنصاف، لا أحد ينكر أن المنتخب المغربي تحت قيادته وصل إلى نصف نهائي كأس العالم، في سابقة تاريخية وضعت الكرة المغربية على خارطة المجد.
ومع ذلك، لا يزال جزء من التقييم الإعلامي محكوما بمنطق القسوة أو الانتظارية المفرطة، في زمن يحتاج فيه المنتخب إلى تلاحم لا تنافر.
لكن هل كل نقد هو بالضرورة تحامل؟ الركراكي، بقدر ما من حقه أن يشتكي من الظلم الإعلامي، عليه أيضا أن يتفهم أن العمل العمومي، وخاصة في مجال الرياضة، لا يُمكن أن ينجو من عين النقد، فكما يُشاد به حين يُبدع، يجب أن يُنتقد حين يخطئ، وما دام الرجل يتولى قيادة منتخب يمثل 40 مليون مغربي، فإن النقاش حول اختياراته وأساليبه التكتيكية يظل مشروعا ومطلوبا.
وربما أكثر ما يحسب له، أنه لم يتخفَّ خلف العبارات الجاهزة، بل قالها بصراحة مؤلمة:
“كنت غادي نقدم استقالتي بعد الإقصاء، لكن لقجع أقنعني بالبقاء لأن عندنا مشروع كبير خاصنا ننجحو فيه كاملين.”
هنا يظهر أن الركراكي ليس عنيدا، بل إنسانا يعيش ضغط المهمة، ويتخذ قراراته بناء على تقدير المصلحة العامة.
والأهم، أنه بعث برسالة واقعية للجمهور حين قال:
“ما تنتظروش نربحو بحصص كبيرة فالكان… مبارياتنا غتكون صعيبة، والمهم هو التتويج، صبرو علينا وعاونونا.”
إنها دعوة للتخلي عن الأحكام المسبقة، والنظر إلى التتويج القاري كمسار شاق لا يختزل في مباراة جميلة أو لحظة عاطفية.
المعادلة اليوم بسيطة: نريد صحافة لا تُصفق، لكنها أيضا لا تجلد، ونريد مدربا ينفتح على الرأي الآخر، دون أن يشعر بأن كل اختلاف هو بالضرورة تهجم عليه.
لذلك، فالمطلوب من الجميع اليوم – من صحافة ومدرب وجمهور – أن يرتقوا إلى مستوى اللحظة. وليد الركراكي، رغم كل الضغوط، يبقى ابن هذا الوطن وممثل طموحاته الكروية، والصحافة تبقى ضمير الرأي العام وصوت المحاسبة البناءة، والجمهور هو الوقود الحقيقي لهذا المنتخب، فلا أحد فوق النقد، ولا أحد يستحق التبخيس، نحتاج إلى خطاب يجمع ولا يفرق، يُقوّم دون أن يهين، ويحفز دون أن يزايد.
فلنمنح الفريق الوطني مناخا صحيا ومتكاملا من الثقة والمهنية والدعم، لأن الخصم الحقيقي لن يكون في قاعة ندوة صحفية، بل على ملاعب مغربية ستحتضن بطولة ينتظرها الجميع، ولا خيار فيها سوى رفع راية الوطن عاليا.