انعقدت الدورة الاستثنائية للمجلس البلدي بالجديدة يومه الخميس 12 سبتمبر 2024، وسط ترقب كبير من طرف الساكنة والمجتمع المدني، في ظل أوضاع تزداد تعقيدًا بخصوص تدبير قطاع النفايات.

ما كان يُفترض أن يكون جلسة حاسمة لتصحيح المسار، تحول إلى مسرح لتصريحات مثيرة للجدل، كشفت أكثر مما أخفت، وطرحت تساؤلات جوهرية حول استقلالية المجلس وقدرته على اتخاذ قرارات في مصلحة المدينة.

فلتات لسان تكشف المستور

أولى المفاجآت جاءت عندما أعلن أحد أعضاء المجلس عن متأخرات ضخمة لشركة “أرما” لم تُسدد من طرف المجلس. هذه المعلومة لم تكن جديدة على فيدرالية جمعيات الأحياء السكنية، التي سبق وأن أثارتها دون استجابة تُذكر من رئيس المجلس، هذا الأخير وفي محاوله منه لتدارك الأمر، أوضح أن هذه الديون هي في الأصل مستحقات غير مُحصلة من “ضريبة النظافة” على الساكنة، وهو تبرير بدا سطحيًا وغير مقنع.

ولكن الزلة الأكبر كانت عندما قال رئيس المجلس، جمال بربيعة، للناشط “الفيسبوكي”، سعد بسطيلي، في بث مباشر على صفحته الرسمية: صراحة إنه لو كان القرار بيده، لما سمح لشركة “أرما” بالمشاركة في المنافسة على الصفقة من الأساس، تصريح كهذا لا يعكس فقط عدم الرضا عن الشركة، بل يُلمح بوضوح إلى ضغوط خارجية تُمارس على المجلس، مما يُثير القلق حول استقلالية القرارات.

من يُدير المدينة فعلاً؟

تصريحات رئيس المجلس تطرح أسئلة خطيرة: إذا كان المجلس غير قادر على اتخاذ قراراته بحرية، فمَن ذا الذي يُدير فعليًا شؤون المدينة؟ وهل يمكن الوثوق بصفقة تُمنح لشركة “أرما” بهذه الطريقة؟ بل الأكثر من ذلك، إذا كانت الشركة تُمنح الصفقة لتسوية ديونها، فماذا يعني ذلك بالنسبة لقواعد المنافسة العادلة والشريفة؟

إن تمرير الصفقة لشركة “أرما” دون الأخذ بعين الاعتبار أداءها السابق أو التحقق من مدى التزامها بتنفيذ بنود دفتر التحملات يُظهر بوضوح أن مصالح الساكنة لم تكن أولوية. هذا القرار، الذي يبدو أنه فُرض على المجلس، يثير شبهات حول شفافية العملية ومصداقية الجهات التي شاركت فيها.

الصمت غير المبرر للشركات الأخرى

في خضم هذه الفوضى، يُثير الصمت المطبق للشركات الأخرى المشاركة في المنافسة تساؤلات لا تقل أهمية. لماذا لم تعترض هذه الشركات على ما يبدو تلاعبًا بقواعد المنافسة؟ هل هو خوف من الانتقام؟ أم تواطؤ ضمني لتسهيل الأمور وتمرير الصفقة دون ضجيج؟ أم أن الأمور قانونية رغم الجدل المرافق لهذه الصفقة؟!

اليوم، المواقف الصارخة والتصريحات المثيرة ليست كافية، بل يجب على المجلس البلدي تحمل مسؤوليته الكاملة ومراقبة تنفيذ شركة “أرما” لبنود الصفقة بكل تفاصيلها، والتأكد من أن الخدمات المقدمة تليق بالمدينة وساكنتها. وفي هذا السياق، تعهدت فيدرالية جمعيات الأحياء السكنية بمراقبة الوضع عن كثب، ولكن من الضروري أن تكون هناك إرادة حقيقية داخل المجلس لمساءلة الشركة وإلزامها بتحسين الأداء، وألا تُستخدم هذه الصفقة كورقة لإسكاتها أو إرضائها على حساب المصلحة العامة.

في النهاية، المجلس البلدي أمام مفترق طرق: إما أن يثبت قدرته على اتخاذ قرارات مستقلة وشجاعة تخدم مصلحة الجديدة وساكنتها، أو أن يظل أسيرًا لقرارات تُفرض عليه من خارج أسوار المدينة.

الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد الوجهة، والكرة الآن في ملعب المجلس والمجتمع المدني لضمان أن تُدار شؤون المدينة وفق معايير الشفافية والمحاسبة، بعيدًا عن أي شبهات أو مصالح ضيقة، قُضي الأمر الذي فيه تستفتون يا سكان مدينة الجديدة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *