تحول التعليم الخصوصي إلى وحش كاسر يزرع الهلع في نفوس فئات عريضة من المجتمع المغربي، ويثقل كاهلها بأعباء إضافية قد تصل إلى اقتراض ديون بنكية لتوفيرها، ويجعلها تُطأطِأ الرأس أمام أصحاب المؤسسات الخاصة الذين وجدوا في التعليم الخصوصي فرصة استثمار وريع لا تتحكم فيه لا الدولة بشكل عام ولا الوزارة الوصية كحكومة بشكل خاص.
حقا، إن العلاقة مع المؤسسة والآباء هي علاقة تعاقدية أساسها (الأولياء من اختاروا، والمؤسسة لم تجبر أحدا على التسجيل فيها) ولكن هل فعلا هذه العلاقة متكاملة على مستوى مصلحة الطرفين، وبقدر ما أعطي بقدر ما أستفيد؟ هل فعلا التعليم الخاص يستجيب لرغبة الآباء وتحملهم لمصاريف مرهقة مقابل تقديم أفضل تعليم وأحسن مردودية تربوية؟ هل تتوفر جميع المؤسسات الخصوصية على شروط النجاعة لضمان أجود الخدمات التعلمية؟ وهل تستحق فعلا أن تتقاضى رسوم التسجيل والدراسة الشهرية بهذه الأسعار المبالغ فيها ما دام الأمر أصبح سوقا تجاريا وليس تربويا، وهذه الزيادات المتتالية في كل دخول مدرسي دون أي مراعاة للقدرة الشرائية للأسر المغربية؟
وبلغة الأرقام، اذا كان واجب التسجيل في أصغر المؤسسات لا يقل عن ألف درهم، فكم هو واجب التأمين المدرسي، وما مبررات باقي المبلغ؟ وكيف يمكن تفسير الأمر حين يتعلق الأمر بواجب يفوق الألفي درهم وقد يصل حتى الأربعة آلف درهم؟
كم يتقاضى أساتدة التعليم الخصوصي وفيهم أكثر من 90% حاملين للإجازة والماستر وهل جميعهم مصرح بهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وكم مبلغ التصريح أي بالأجر الصافي الذي يتقاضونه أم مبلغ يقل عن ذلك؟ وكم يتقاضى أعوان الخدمات من منظفات وخدام النقل المدرسي والحراس؟ أي هل أجورهم تصل إلى “السميك”؟
هل الأساتدة يستفيدون من التكوين المستمر وهل يخضعون لتأطير تربوي مقرون بتقارير المراقبة والتفتيش، وهل تستفيد الأستادات من رخص الولادة بالمدة القانونية المنصوص عليها في قانون الشغل؟ هل جميع الأساتذة يتقاضون أجور شهر غشت؟
نعم هناك مؤسسات نعتبرها مؤسسات مواطنة، تهتم بأطرها الإدارية والتربوية وتسهر على تحصيل مردودية إيجابية، وتستجيب لكل الأسئلة أعلاه، ولكن بنسبة محدودة وبتفاوت واضح بين كل مؤسسة واخرى، وهذا واقع ظاهر للعيان بشهادة من يعيش في الميدان.
إن الوزارة ملزمة بتحمل جميع المسؤوليات وفتح ملف التعليم الخصوصي مع الشركاء من جمعيات الآباء وجمعيات المؤسسات الخصوصية وأطر المراقبة التربوية والإدارية لتقويم الاختلالات الحاصلة وجعل معاناة الآباء لا تذهب سدى أمام ضعف التحصيل، وفي نتائج الامتحانات الإشهادية الدليل بين نقط المراقبة المستمرة التي في غالبا لا تقل عن 17/20 وفي الامتحان الموحد بالكاد يصل إلى مافوق المعدل يقليل خاصة في الثالثة إعدادي والامتحان الجهوي والأولى باكالوريا.
إشارة أخيرة، هل كل المؤسسات التي تزيد زيادات سنوية تجدد عتادها التربوي سنويا؟ وهل ترفع من أجور أطرها سنويا؟ وهل تحترم عدد التلاميذ في كل قسم، وحسب ما هو منصوص عليه في رخصة الفتح؟ وهل توفر للتلاميد أنشطة بالمجان؟
هي أسئلة نطرحها على الأجهزة الوصية لنحدد بالضبط هل التعليم الخصوصي بديل للعمومي، وأن المدرسة العمومية التي لا تتوفر لها الإمكانيات المطلوبة تبقى أهم سبب في تدني المستوى العام التعليمي بالمغرب الذي يحتل مرتبة متأخرة وتدعو إلى الخيبة والحسرة أمام مجموع دول المعمور؟ وأن أستاذ التعليم العمومي لا يؤدي واجبه كما يتهمونه ظلما وعدوانا؟ وحتى لا نحيلكم على واقع مدرسي قروي عيب وعار أن يكون على هذا الشكل في بلد يستعد لاحتضان كل دول العالم.