لم يتوقف خبث جوار السوء وهو يلفق التهم والإدعاءات ويخلط الواقع والتاريخ لتصدير مشاكله الداخلية نحو المغرب، كان آخرها الركمجة في مقابلة نهضة بركان واتحاد العاصمة كمصيدة أسالت لعاب المغلوب على أمرهم، وخرجوا يلهتون وراء كاميراتهم ومنصاتهم ويخلطون الحابل بالنابل، وتناسوا أنها فقط لعبة بنوا على أنقاضها حلم الدولة المفقود وأمل السيادة المنبوذ وتقرير المصير المرفوض.
نستحضر اليوم مملكة مغربية ذات نظام دولة بالمفهوم الحديث عمرت لأكثر من إثنا عشر قرنا وبتراث سياسي كبير، ومنظومة ذات سياق سلطوي عسكري “مدني” يناهز ستة عقود بعيدة عن نظام الدولة من حيث النشأة والتطور.
من يريد أن يفهم التناقضات بين المنظومتين السلطويتين وأسس التنافر والتناقض، فليعلم أن تاريخ دولة الكراغلة مرتبط لقرون بسلالات حكمت شمال إفريقيا من عواصم المغرب، فحين تستحوذ على جزء كبير من تاريخ “دولة” فانتظر بناء هذه الدولة على أنقاض خطاب التخوين، كيف لا؟ وفكرة “تخوين المغرب” عشعشت في جماجم الكراغلة، ومرر بها من تكونوا بالمغرب فكرة مسؤولية الأستاذ عن مآسي التلميذ، بل تعدت حماقة الخبث تحميل المغرب مسؤولية إضرام النار في مناطق القبائل الأقل ارتباطا بمفهوم الوطن، أليس من الحماقة وغياب الرصانة أن يعتقد أصحاب العقول الكرغولية النيرة أن المغرب يحاصرهم ويهدد أمن بلدهم؟ وهو اعتراف ضمني بضعف المنظومة يقال عنها عسكرية؟ أليس من تفاهة القرارات العسكرية أن تخلق من مفهوم التهديد مفهوما أفظع للرعب بتتبيث مرتزقة البوليساريو في طرف من بلادك؟ وتصل قمة الغباوة إلى إنشاء قنصلية كرغولية بتندوف؟ وكأنك تعترف بدولة “الخيام” والتي ربما ستدخل يوما ما في التقادم وتصبح دويلة وسط الدولة، “وفكها يا من وحلتيها”.
مسألة الهوية حكاية أخرى كرست العداء المصطنع من طرف حكام نصبهم النظام الكابراني، فحين تغتصب الأرض لقرون من الأتراك آباء الكراغلة، وحين تستلب من الحكام الدوغوليين لمدة 132 سنة، فمن البديهي أن اللاهوية واللاتاريخ سيدفعك إلى إلصاق كل مآسيك
في أقرب صديق عدو، ويكرس إعلامك الدعاية بأن كل ما هو مغربي فهو سيئ، بل حتى الموروث الثقافي كرسه الإعلام مبتزا من لا تاريخهم، وهو بذلك إعلام منافق وخاضع لسلطة الآمر العسكري، فإذا كان الأمر غير ذلك، لماذا يستهلك الإعلام الكرغولي بطاريته في الترويج بأن المغربي يقبل يد الملك بشكل استعبادي؟ وهو بذلك يتناسى أن مقياس درجة استقرار المملكة المغربية الشريفة، عبر التاريخ، رهين بمبدإ “البيعة” في جدلية الدين والعصبية واحترام ولي الأمر.
فلا غرو أن يصبح مستوى العداء ركيزة للاستمرار على المستوى الإستراتيجي، بوجود قاعدة اجتماعية تابعة، تهلل الجماهير في المدرجات بكراهية المغاربة ويصدح الإعلام في المنابر والأشخاص في الشوارع وينجح النظام الكرغولي في تمرير خطته بسلاسة ويؤكد استمرارها.
لكن وفي المقابل، ستعيش “الدولة” في مثالية “أفلاطون” والتي يقال أنها ولدت من مقاومة الاستعمار عبر حركات التحرر وتناضل مع الدول الفقيرة وتدعمها، بل ورغم أنها من الدول الجديدة، وسبحان الله، هي مهد لبروز حركات التحرر في العالم، ومشتل نشأة دول جديدة أوروبية، والركيزة الأساسية التي يقف العالم منتظرا مبادراتها لحل أزماته، فمن غير دولة الكابرانات فك الحصار على “غزة” ووجد حلا للأزمة السورية وتوصل إلى تخريجة لإقليم “دارفور”، وعلماؤها قاموا بصيانة “ثقب طبقة الأوزون”؟
هي فقط حقيقة بسيطة تتدلل بها الدولة الكرغولية لإتباث وجودها وأهميتها، ففي الوقت الذي لا تحتاج فيه الدول العظمى إلى التدليل على وجودها، و تنسى الماضي وتسارع إلى المستقبل وتتنافس عليه، تظل تلك الباحثة عن كينونتها تعيش على خلق تاريخ ضائع وهوية مفقودة، وتعتقد أن وجودها رهين بنفي أصل الوجود الذي هو المغرب، وعلى هذا الأساس بني الإعتقاد على أن بلد الكابرانات سيكون جيدا بدون مغرب أو بمغرب ضعيف مشتت وهش.
أخيرا وليس آخرا، ماحدث في مقابلتي بركان واتحاد العاصمة حول قضية القمصان المزركشة ببلد الشرفاء هو تحصيل حاصل، تفجر بركان وأحدث تشققات في قشرة الجماجم الفارغة، وخرجت حمم أفواه الحقد ورماد الضغينة، وانبعثت أبخرة وغازات نتنة من غرف الصهارة الموجودة في أعماق ناكري الجميل، كيف لا؟ وطاقم مكون من أربعين فردا خلق فوهات وشقوق في نظام هش، وترك مواد منصهرة تنساب لتشكل تراكمات، لا نعلم ما ستخلفه من أشكال معوجة ومخروطية في أجسام دناصير وعقول عصافير!