كل المغاربة يقدسون “العيد الكبير” إلى درجة الهوس بل وحملوه من درجة السنة ووضعوه في مرتبة الفرض، مما يدفع المغربي إلى تحمل أكثر من طاقته لتوفير الأضحية لذويه، فبغض النظر عن الخروج عن مقصد الشريعة بالنسبة لذوي الإمكانات المحدودة، وبغض الطرف عن تثبيت الوازع الديني في الأضحية كرافد من روافد السنة، فإن عيد الأضحى يبقى من أقدس المناسبات الدينية المالكية بالمملكة المغربية، وكل شيء يهون بالنسبة للمواطن المغربي أمام فرحة العيد وتقاليده وأعرافه.
وما يزيد الإعتبار لعيد الأضحى المبارك والذي يصادف العاشر من ذي الحجة من كل سنة، هو تزامنه مع أهم وأعظم المناسبات الدينية التي يحتفل بها المسلمون في كل بقاع العالم، وهي شعيرة الحج، فيحظى المسلمون بمشاركة الحجاج فرحتهم بتمام فريضة الحج.
غير أن مناسبة “العيد الكبير” هذه السنة ستحل في ظروف استثنائية مطبوعة بموجة غلاء في الأسعار، حيث أصبح الوصول إلى كبش الأضحية كالبحث عن شعرة وسط عجين بسبب قلة القطيع والمضاربات.
ومن المتوقع أن تشهد أسعار الأكباش مع إقتراب عيد الأضحى المبارك ارتفاعا ملحوظا، مما يجعل العديد من الأسر الفقيرة والمحدودة الدخل تعاني من صعوبات في إقتناء أضحية العيد، الشيء الذي يجعل الملايين من المغاربة تحت رحمة الوسطاء والسمسرة.
وحسب وزارة الفلاحة والصيد البحري وللسنة الثانية على التوالي، ستلجأ الحكومة إلى فتح باب الاستيراد المؤقت للأغنام، بهدف توفير الأضاحي الموجهة إلى الذبح في عيد الأضحى، في ظل تراجع القطيع الوطني بسبب توالي سنوات الجفاف.
فبين ما توفره الأسواق الأسبوعية التي تقع في ضواحي المدن وبين ما سيتم استيراده مدعما، سيجد المواطن نفسه تحت نيران سيطرة السماسرة و” الشناقة”، الذين يلجأون لرفع الأسعار، حيت يستغل هؤلاء الوضع للتحكم في أسعار الأسواق عبر التنسيق فيما بينهم، بهدف التحكم في الأثمنة كما يشاؤون.
إلا أن ذلك لم يثن المواطنين من سلك مختلف السبل للظفر بـ”حولي العيد”، ولأن مظاهر العيد الكبير اليوم تغيرت رأسا على عقب، فقد صارت غاية الحصول على كبش مليح وسمين المقصد الأهم وعادة اجتماعية موسومة بالتباهي والتكلف.
وبين العبادة والعادة غلب التطبع…“ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام”، إذن فالمقاصد المتوخاة من ذبح أضحية العيد هو تحقيق المعنى الحقيقي للتوحيد وإفراد الله تعالى بالعبادة، وشكره على ما أنعم به على عباده من النعم، وتحقيق التضامن والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، غير أن تلك المقاصد السامية بدأت تتلاشى وتتراجع في أيامنا، فغالبية الناس تغيب عن أذهانهم المقاصد الروحية والتعبدية والتربوية والاجتماعية التي تتحقق من خلال شراء أضحية العيد وذبحها، بل تتكاثر جرائم العنف والسرقة والاحتيال في شراء وبيع الأضحية، ويستفحل التفكك الأسري والمشاكل بين الزوجين وتحصل حالات الطلاق بسبب الاختلاف حول شراء أضحية العيد.
وأمام هذا الوضع، تفقد هذه الشعيرة بريقها ورونقها وسموها في تزكية النفس بالإيمان، بغلبة مظاهر التفاخر والتباهي، ويولد مع ذلك آفات اجتماعية خطيرة.