بدأت الأسطورة الجديدة حين خرج أحد أركيولوجيي العصر الحجري بفكرة أن أجداد الكراغلة كانوا علماء نجوم قبل التاريخ، وأكد الفكرة فقيه فلكي عندما سخر علمه اللاديني في إخراج أسطورة جديدة تؤرخ للسعيد، والذي، بقدرة الفقيه، عرج به طائر من بلد “ماسيسيليا” إلى الأكاديمية العسكرية السوفياتية “فورشيلوف”، ليعود يافعا ويحرر بلد الكابرانات من الفرنسيس محتكري الجماجم في متحف الإنسان، بعد تجميعها من قصور الحكام الغاصبين الإفرنجيين، والذين كانوا يزينون بها قصورهم.
لم يقف الخيال العلمي عند هذا الحد، بل تعداه إلى خطب في المساجد وأثناء مناسك الحج، من أئمة وفقهاء أكدت بأن خير البرية هو من أطلق اسم الجزائر على بلد الكابرانات، بل اعتبرها بعد 14 قرنا من وفاته أفضل الأراضي بعد مكة والمدينة.
وتمر الأيام ومعها الأبحاث ليكتشف أصحاب الفكر الواسع والعلم الجيومورفولوجي العريض والتاريخ الجيولوجي المدقق، أن أعلى جبل في بلد المغرب، يتعدى علوه 4 كيلومترات ووزنه آلاف الأطنان قد تمت سرقته من الدولة الزيرية ونقله إلى حيث هو الآن.
اتسعت مخيلة الإعلام الكرغولي أكثر حين عرج على علم الحيوانات وأسس لناسيونال جيوغرافيا غاية في الذكاء، فليعلم العالم بأسره أن الأسد جزائري وتسمية “أسود الأطلس” هي منسوبة للجبال الممتدة في بلدهم، بلد علماء “آل بلقين”، وعلمهم بذلك يجزم أن الأسد يعيش في الجبال وتناسوا أن التسمية أصلا منسوبة إلى المحيط!
تعددت أساطير إعلامهم الرسمي وانتقلت إلى “البروماتولوجيا” أو علم المأكولات وإلى عالم الألبسة والزخارف والأبنية والإثنولوجيا، فالكسكس طبخهم والقفطان صناعتهم والزليج اختراعهم، وبيت المقدس والحرم المكي بنيا بحجارتهم، وباب المغاربة بالقدس الشريف بابهم، وخالد بن الوليد (حاشا لله) جد رئيسهم وأبوبكر الصديق (علا مقامه) جد رئيس أركانهم، وابن بطوطة ابن بلدهم، وابن خلدون ابن جلدتهم، وتمثال الحرية سرقته فرنسا وصدرته لأمريكا دون علمهم، والبرغوث الأرجنتيني “ميسي” ابنهم.
وتبقى آخر أساطيرهم ولن تكون الأخيرة، هو ماوقع لشرفاء بركان الذين تنقلوا للعب مباراة عادية في دوري إفريقي، بأقمصة تحمل خريطة بلدهم الشريف ومصادق عليها من طرف الجهاز الوصي “الكاف” وتعرضوا لكل أنواع الإرهاب، ليخرج إعلامي باجتهاد غاية في البلاهة ويقول وهو متشبت بغبائه:
“لماذا نسيس الرياضة بحمل الخريطة فوق القميص؟ وكيف لفريق جزائري أن يخط خريطته فوق قميص ومساحة الجزائر أكبر من مساحة المغرب ثلاث مرات؟ وبلد الصين في هذه الحالة سيحتاج لأربعة قمصان ليرسم خريطته!؟”
أقول لمن لا تاريخ له، وأؤكد لبلد الإيالة العثمانية وبلد الإفرنج الثاني، أنه لاقياس مع وجود الفارق، فبلد ضارب في القدم التاريخي، ويعود لأكثر من 12 قرنا خلت، لا يقارن مع دولة لايتعدى عمرها التاريخي 6 عقود، كما أكد ذلك جميع المؤرخين وعلى رأسهم المؤرخ الفرنسي الشهير “برينارد”، فالجزائر كانت ولاية ضمن الخلافة التركية، و الاستعمار الفرنسي هو الذي خلق هذه الدولة المختلطة على لسان “الجنرال دوغول”.
نتمنى صادقين، أن يرجع إلى رشدهم من ولوا أمرهم “صندوق سيارة” بالتعبير الشامي و “الخبز” بالتعبير التونسي ومهبل المرأة بالتعبير الدارجي المغربي، وإلا فسننتظر أسطورة جديدة أن بلد الكابرانات هو مركز الكون وأصل الطبيعة.