هل الجديدة فعلا مدينة؟ هل هي حاضرة ضمن حواضر المغرب رغم تاريخها العريق؟ هل هي فعلا عاصمة لإقليم اسمه إقليم الجديدة؟ هل فيها مسؤولون يديرون أمورها الاجتماعية والجماعية؟ هل فيها مجلس بلدي يؤدي أدواره بكل أمانة والتزام؟ هل فيها مسؤولون سلطويون يشرفون على تسيير دواليبها بدءا من عامل الإقليم ورئيس الدائرة وقياد وخلفان كسلطة ثالثة تسهر على مواكبة كل ما من شأنه أن يكون معه المواطنون في أفضل حال؟ هل فيها رئيس للبلدية يحترم القسم بعد أداء اليمين، ويعمل على الوفاء بما تعهدت به لائحته الاتتخابية؟ هل فيها منتخبون غيورون يحملون هم المدينة وشأن ساكنتها أم هم مجرد كومبارس يردد المواويل ويصفق للرئيس؟ هل فيها معارضة متأصلة يمكن أن تصدح بمواقفها التي تتغنى بها حين يكون ( الطرح بارد) وليس بمثل حرارة وتشنج أحداث اليوم؟
لست أدري هل حظ الجديدة من التنمية هو أن تتراجع إلى مستوى مركز قروي بعد أن كانت مدينة واعدة وقطبا مهما في أرقام الاقتصاد المغربي صناعة و تجارة وسياحة؟ خبروني كيف وفيم صرفت الميزانيات وأموال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وأموال الأوراش إن لم تكن قد برمجت فيما هو أساسي ومهم للشان المحلي ومصلحة السكان النفعية؟
إنه لمن المضحك جدا أن نتلقى خبر إقدام المكتب الشريف للفوسفاط على بناء مركب رياضي بمواصفات دولية وأن يجد الأرض لإحداثه، ولا يجد أرضا تحول إلى مطرح للأزبال والنفايات، أو مقبرة قريبة، وهو الذي استغل جل الأراضي وخصصها لمرافقه وعماله وأطره؟ ومن الممكن جدا أن يوفر لأبناء مستخدميه ملاعب رياضية ومؤسسات تعليمية، وأبناء المواطنين يتزاحمون في ملعب الأشهب البئيس ويتلقون تعليمهم في أقسام مكدسة قد تصل أحيانا إلى قرابة خمسين تلميذا في الفصل الواحد وأحيانا ثلاثة تلاميذ في طاولة واحدة.
ومن المضحك والمبكي في آن واحد أن تختنق المدينة بالروائح العفنة والكريهة، وبالغازات والأدخنة من أساطيل سيارات نقل المستخدمين ونقل التلاميد والطوبيسات المهترئة والشاحنات والحافلات، ولا حزام أخضر أو فضاءات خضراء تخفف من نسبة الثلوث، بل الأدهى الشروع في إبادة الأشجار دون ردع ولا زجر.
سنصدح جهرا بالحقيقة نحن أبناء الجديدة ( زيادة وخلوق وقراية وخدمة) أن مدينتنا أصبحت أرملة بعد أن غاب الرجال، أصبحت مشردة بعد أن عشعش فيها الفساد والحكرة والتهميش، أصبحت ثكلى تتقادفها أرجل الضياع والنكران والجحود.
وأن أطفال الجديدة يعانون تداعيات أوبئة مختلفة أخطرها الحساسية وفقدان المناعة جراء الانتشار الواسع لروائح الأزبال، ولسعات الحشرات، ولا تجد في المستشفى المعلوم العلاج المطلوب، شباب المدينة عرضة للإقصاء لقلة الفضاءات اللازمة للتريض والتثقيف والعمل الجمعوي الجاد، والسكان بصفة عامة في حاجة ماسة إلى ماء شروب وبدون ذلك الذوق الذي يمج النفس، ويعاني من الانقطاع بدون إخبار وفي أوقات حساسة وهم الذين يؤدون فواتير الماء الصالح للشرب والغسيل، في حاجة إلى إنارة عمومية تقضي على ظلمة الأزقة والشوارع وتبدد خوف المارة، وهم الذين يؤدون فواتير فيها قسط خاص بالإنارة العمومية، في حاجة وهم الذين يؤدون ضريبة النظافة لمحو صورة الأزبال التي أضحت “ماركة” جديدية مسجلة بامتياز ودخلت معها المدينة إلى سجل غينيس للأرقام القياسية، وفي حاجة إلى شوارع (غاية) وطرقات (مزفتة) وأرصفة مشجرة ومزهرة يحلو المشي عليها…
صدقوني، الجديدة لبست ثوب البداوة، كم من حمار وبغل وخيول وأبقار وأغنام تتجول بكل حرية في الشوارع وبين حاويات الأزبال وجنباتها؟ كم من كلاب ضالة في شكل أسراب تغزو عدة فضاءات وتعرض حياة البشر للخطر؟ ولا تكلموني عن القطط والجرذان وطيور عوا التي تشتهي وضع برازها على زجاج السيارات.
الجديدة اليوم تندب حظها العاثر مع مجلس استغلالي لصمت الساكنة، مجلس ولا واحد فيه يقول أنا أيتها المدينة المحبطة من أبنائك الأبرار والأخيار وحتى الأحرار، وهي التي أنجبت ثلة ممن سيروا الدولة وليس مجرد مدشر، اسألوها عن بن سليمان والقادري، عن جطو والساهل، عن زرياب وبوحدو، عن ال الخطيب ونوابغ الخطيبي، عن طه والشرايبي، اسألوها عن الكتاب والأدباء والمبدعين والفنانين والرياضيين والإعلاميين.
الجديدة الآن فقدت هويتها بعد أن اختل الميزان، وذبلت الوردة وانعدم عطرها والسنبلة أسقطت حبوبها، والجرار عاجز عن الجر والحرث والكتاب أغلق دفتيه، والحمامة أضحت عقيمة لا تبيض ولا تفرخ، وبعد أن أصبحت الحياة السياسية مجرد حضور مؤقت في دكاكين موسمية لا تفتح أبوابها الا أسبوعين كل أربع سنوات وزد على ذلك مئات الجمعيات الصورية التي لا تشتهي إلا فتات المنح.
الجديدة اليوم أصبحت قصيدة رثاء يلزم كالمعلقات السبع أن تعلق على مدخل الجماعة الحضرية، وبوابة العمالة أصبحت لوحة حزينة بالأبيض والأسود لفتاة شاردة بثياب رثة وأسمال بالية ترتعش من البرودة حد الحمود وتمشي ببطء وقد أثقل الإملاق ممشاها، وهي التي كانت قصيدة أندلسية يتغنى الشعراء بجمالها وروعتها ويحكي الرواة عن طيبتها وعن أهلها الحلوين، والكل يهيم عشقا في حبها…
الجديدة بح صوتها من كثرة العويل والصراخ والتوسل والاستجداء، ولم يبق لها بعد أن سمع العالم ورأى مأساتها إلا أن تولي وجهها قبلة الحامي لحقوق شعبه في العيش الكريم، الضامن لتحقيق التنمية الشاملة بكل ربوع الوطن،الساهر الأمين على إسعاد رعاياه لتستنجد به من غفلة الغافلين عن وضعها الكارثي، ومن صمت الصامتين عن حقوقها المغتصبة ولتستغيث به: وامحمداه!!!! واملكاه ويا عاهلنا، صل ماضي بحاضري، تفقد حالي بتوجيهاتكم السامية أو ارحمني بزيارة ميمونة مباركة كما شرفتني ورعاياك من قبل، تمنحني الاعتبار، وترد لي كرامتي الممرغة في الوحل، لقد عيل صبري يا مولاي، وأصبحت أشعر وكأنني جغرافيا وتاريخيا لا أتواجد بخريطة مغربنا الحبيب، ولا أنتمي للمملكة المغربية الشريفة.
حفظكم الله وأعز أمركم ودمتم لشعبكم الوفي الساهر الأمين على عزته وكرامته.