نلزم الصمت حيال مسؤولية الدولة والحكومة والنخب المحلية عن الوضع الاجتماعي المتردّي في المناطق المتضررة من الزلزال العنيف الذي ضرب إقليم الحوز الجمعة الماضي، والذي راح ضحيّته آلاف القتلى والجرحى والمنكوبين، احتراما لظروف المحنة العصيبة التي يجتازها المغرب جرّاء ذلك.
نترك جانبا النقد العنيف والإنتقاد الفارغ، إلى أن تلتئم جراح المنكوبين والمكلومين والمتضرّرين من الزلزال وتداعياته.
ولن يمنعنا هذا وذاك من رمي المسؤولية لهذه الحكومة في إعادة الإعتبار لهذا الجزء المكلوم من وطننا، ولن يتأتى ذلك إلا بإصلاح ما خربه الزلزال من بنية تحتية ومساكن ومداشر وفك العزلة عن أبناء عمومتنا، وكفانا من التماطل والتسويف.
لكن وجب الوقوف عند حملة التضامن الشعبي الواسعة مع ضحايا هذا الزلزال، فالمغاربة بجميع أطيافهم وبمختلف فئاتهم، والذي فاجأ العالم بحملة غير مسبوقة، كل الحواضر والمداشر استحضرت المسيرة الخضراء بعد حوالي نصف عقد، لتتجه نحو الإقاليم المنكوبة.
كل العالم تابع، عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومنصاته، المشاهد المؤثرة التي عكست روح التضامن مع الضحايا، والتاريخ وثق كل فصول ومحطات التآزر للتخفيف من المأساة والحدّ من تداعياتها.
في أقل من أسبوع تم خلق لجان ومبادرات وشبكات أهلية تطوعية، من أجل جمع التبرعات والمساعدات المالية والعينية وإيصالها إلى المناطق المتضررة النائية، بالإضافة إلى ضخ الدماء في المخزون عبر حملات التبرّع بالدم الواسعة التي انطلقت صباح يوم السبت.
اليوم يكتب جزء من التاريخ الاجتماعي للكوارث الطبيعية في المغرب المعاصر، حجم التضامن الشعبي مع الضحايا من كل ربوع المملكة الحبيبة ومن الجالية المغربية بالخارج، فاق كل الإنتظارات والتوقعات، المساهمات التي وصلتنا عبر الفيديوهات من أبناء الشعب الأبي، وهم في أشد العوز، درس في التضحية والإيثار، وكأن حال الوقائع المدونة يقول بأنه لا خوف على المغرب مادام أبناؤه متشبتون برائحة ترابه.
الوقاية المدنية والأمن الوطني والقواتُ المسلحة الملكية والدركُ الملكي والكوادرُ الطبية ومتطوّعو المجتمع المدني، لم يبخلوا في مد العون، وأسسوا تضامنا شعبيا بعفوية، ربما سيدرس غدا في أكبر الجامعات الدولية.
إذا كانت الكوارث الطبيعية تعزز الروح الوطنية داخل المجتمعات وتقوي عنصر التضامن، فإن ما وقع بعد فاجعة زلزال الحوز، يتجاوز كل الدراسات الإجتماعية التقليدية، على اعتبار أن تحدي الشعب المغربي كان تحديا للظروف الصعبة التي يعيشها المواطن يوميا مع غلاء المعيشة، ورغم ذلك تجرأ المغربي على وضعيته المادية وأرجأ التفكير فيها إلى ما بعد تضميد جراح إخوانه المنكوبين جراء الزلزال.
ونقف احتراما وإجلال لملك البلاد الذي أعطى درسا في تلاحم العرش والشعب، حين زار المستشفيات وقبل رؤوس المصابين وعانق شعبه بكل عفوية، بل ساهم في حملة التبرع بدمه كعربون على عطفه على رعاياه.
إن كان ولابد من وضع عنوان لهذا التضامن المنقطع النظير، والذي وجب على كل مغربي أن يفتخر ويتفاخر به بكل عزة، فلا أفضل من أن المغرب بالفعل “منبت الأحرار والرجال والملوك”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!