
منذ أسابيع والعالم يعيش على إيقاعات مونديال قطر 2022، هذه الإمارة الصغيرة التي يعتمد اقتصادها على النفط و الغاز، استطاعت في وقت وجيز أن تحول بوصلتها إلى الإعلام والرياضة، وهي اليوم تخلق الحدث بتنظيم رائع لأكبر محفل رياضي عالمي، هدفها تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي اعتمُدت حديثا، بتطلعها الشامل إلى زيادة التقريب بين الشعوب بتسخير الرياضة لأغراض التنمية والسلام.
المغرب اليوم وبتأهله لنصف نهائي المونديال كان شريكا فعالا في إنجاح الحلم القطري، وأثبت أن السحنة العربية ستبقى حاضرة بالمونديال من بدايته إلى نهايته، وأن حضور المملكة المغربية لم يفقد المونديال لقبه “المونديال العربي”، بفضل الأصول العربية للاعبي المنتخب الوطني المغربي الذي استمات حتى لا يفقد المونديال نكهته العربية.
وحتى لا يهدر هذا الإنجاز الفريد للرياضة المغربية قيمته بعد انتهاء المونديال، وجب التفكير جيدا في استغلاله لتحقيق تكامل الأنشطة الرياضية مع المصالح الاقتصادية، وهو أمر بديهي ونحن نشاهد كيف استطاع هذا المعطى، والذي يكتب بمداد من الفخر، إلى احتلال الرياضة مكانة رفيعة في الحياة الاجتماعية لكل المواطنين المغاربة. حان الوقت أن يفهم أصحاب القرار أن النظام الرياضي يقوم على دعائم اقتصادية، فالغرض الأول للعلاقة بين الرياضة والاقتصاد يتمثل في اعتماد الرياضة على الاقتصاد لتمويل مختلف أوجه النشاط بها، وأن الغرض الثاني يتمثل في رعاية المصالح التجارية والاستهلاكية للرياضة كمصدر للربح و وسيلة دعاية ناجحة. فإذا كان التمويل الرياضي يعتمد على ثلاث مصادر أساسية: التمويل الحكومي، التمويل المؤسساتي، التمويل الذاتي عن طريق التسويق الرياضي و الاستثمار الرياضي، فقد حان الوقت لإدراك أن التسويق هو المفتاح لتحقيق أهداف المؤسسة الرياضية، ولا يمكن أن نجد ظرفا أهم مما نعيشه اليوم تزامنا مع مونديال قطر 2022، وذلك عن طريق: 1-التركيز على السوق،
2-التوجه نحو العميل،
3-التسويق المتناسق،
4-تحقيق الربح المادي،
ولن يتأتى ذلك إلا بدراسات مجالية للسوق واختيار العملاء وتحقيق رغباتهم ودعم الإدارة للمؤسسة الرياضية.
حان الوقت للتشجيع على الإستثمار في المجال الرياضي و تكوين شركات المساهمة التي تتولى إدارة هذه الرياضات و الإشراف عليها، بهدف تحقيق أفضل مستويات الربحية و التي بدورها تحقق العائد المناسب على الاستثمار، و الذي يمكن استغلاله في إعادة تمويل كافة الأنشطة الرياضية و الوصول بها إلى مستوى العالمية.
قطر اليوم استغلت أيضا الرياضة في الميدان السياسي وطورت ما يسمى بالقوة الناعمة للدول، فأصبح حصانها الرابح في سياستها الخارجية، والمغرب بتحقيقه لهذا الإنجاز الأسطوري سيمكنه من تكريس تزايد استخدام مفهوم الدبلوماسية الرياضية خلال السنوات القادمة، لبناء علاقات طويلة الأمد مع الدول، وتصبح الرياضة جزء لا يتجزأ من عالم الدبلوماسية العامة. فلا غرو إذا وجدنا أن الرياضة أصبحت وسيلة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للدول وبناء قوتها الناعمة، وتشكيل صورتها الذهنية، ووضع قضايا سياسية على الأجندة الدولية.
لذلك فإن تحليل الأحداث الرياضية لا بد أن يتجاوز وصف وسائل الإعلام للأحداث إلى الرأي العام نحو هذه الأحداث، وصور الدول التي تتشكل من خلالها، وتؤثر علي مواقف الشعوب، وإمكانيات بناء العلاقات الدولية، وهو ما يمكن أن يوضح للدولة الفرصة التي يمكن أن تستغلها لبناء صورتها الذهنية.
مونديال قطر 2022 فرصة للمغرب يجب أن نستغلها إيجابيا لفرح حاضر ومستقبل زاهر، ولن يسمح لنا التاريخ ولا معاناة هؤلاء اللاعبين إذا لم يستفد أصحاب القرار والنية الحسنة من هذه الهبة الرياضية.