عندما تَطَّلع على القرار المشترك لوزير الشباب والثقافة والتواصل ووزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية رقم 2345.24، الذي يحدد أسقف الدعم لقطاع الصحافة، لن تجد نفسك إلا متسائلًا عن الهدف الفعلي من وراء هذه القرارات. فالمقاولات الصحفية الناشئة، وفقًا لما نص عليه القرار، يجب أن تحقق مداخيل تصل إلى مليوني درهم، مع تكلفة إنتاج وأجور لا تقل عن 900 ألف درهم. هل هذا هو الدعم الذي نتوقعه لقطاع يعاني من أزمة حقيقية؟ وإذا كانت هذه هي الشروط، فهل يحتاج هذا النوع من المقاولات بالفعل إلى الدعم الحكومي؟

القرار يثير أكثر من سؤال حول مدى فهم صُناعه لواقع الصحافة في المغرب، كيف يُفترض بمقاولات صحفية “صغرى” أو “ناشئة” أن تحقق مثل هذه الأرقام المالية؟ إذا كانت هذه المقاولة قادرة على تحقيق هذه الإيرادات العالية، فما حاجتها إذا إلى الدعم؟ هذا يطرح تساؤلات كبيرة حول نية الحكومة في دعم الصحافة المغربية، ويعكس نوعا من البُعد عن التحديات الحقيقية التي يواجهها القطاع الإعلامي في البلاد.

إشكالية الصحافة المغربية ليست في المقاولات التي تحقق أرقاما مالية ضخمة، بل في تلك التي لا تزال تكافح من أجل البقاء وسط صعوبات اقتصادية هائلة، فالسوق الإعلانية أصبحت تسيطر عليها المنصات الرقمية الكبرى مثل “فيسبوك” و”غوغل”، مما يعني أن الصحافة التقليدية تواجه تحديات غير مسبوقة، وتحتاج إلى دعم حقيقي لتطوير إمكانياتها وتقوية استقلاليتها.

فهل حقا تسعى الحكومة إلى دعم المؤسسات الصحفية الصغرى والناشئة أم أنها بمثل هذه القرارات تسعى إلى إغلاق هذه المؤسسات لأبوابها ووأد طموح المئات من الشباب الذين يكافحون من أجل إعلام مستقل؟ في ظل هذه الشروط التعجيزية، يحتمل أن تجد العديد من المقاولات الصحفية الصغيرة نفسها غير قادرة على الوفاء بهذه المتطلبات، مما يهدد بإغلاق أبوابها واضطرار الصحفيين الشباب إلى التخلي عن طموحاتهم في مجال الإعلام المستقل وفي غياب مؤسسات ترغغب في تشغيلهم في مهنة لا يثقنون غيرها .

أعتقد أن الهدف من الدعم الحكومي يجب أن يكون تأهيل الإعلام وتوفير بيئة إعلامية حرة ومتنوعة، تُمكّن الصحافة من لعب دورها الرقابي والسياسي في المجتمع، والدعم لا يجب أن يكون مجرد مساعدات مالية للمؤسسات التي لا تحتاج إليها، بل يجب أن يكون موجها للمؤسسات الإعلامية التي تكافح في ظل التراجع المستمر لعائدات الإعلانات، والتي تواجه ضغوطا هائلة لتغطية تكاليف الإنتاج وأجور الصحفيين.

بدلا من وضع شروط معقدة لتمويل الصحافة، كان من الأجدر بالحكومة أن تركز على توفير بيئة مناسبة لإعادة تأهيل الإعلام الوطني، بحيث يشمل الدعم تدريب الصحفيين، تحديث المعدات التكنولوجية، وتحفيز الابتكار في العمل الصحفي، إنه لمن المؤسف أن توجه هذه الأموال لدعم مؤسسات صحفية كبيرة، في الوقت الذي يحتاج فيه الإعلام الوطني إلى سياسات أكثر عمقا وواقعية.

لا شك أن الدعم الحكومي للصحافة يجب أن يُستغل بشكل أفضل لتوجيهه نحو المؤسسات التي تحتاج إليه بالفعل، لا سيما تلك التي تفتقر إلى الموارد المالية اللازمة للقيام بدورها كمؤسسات إعلامية حرة ومستقلة، ولكن مع هذه القرارات، قد يصبح الدعم مجرد إجراء شكلي بعيد كل البعد عن تحقيق التأثير الفعلي.

ختاما، إذا كانت الحكومة جادة في دعم الصحافة المغربية، فإن عليها إعادة التفكير في سياساتها المالية، والتأكد من أن هذا الدعم يصل إلى أولئك الذين يحتاجونه فعلا، وأنه يتماشى مع الواقع الملموس للقطاع الإعلامي في المغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *